"زدنى بفرط الحب فيك تحيرا" قراءة أسلوبية جــ 1

مقدمة

إن التصوف الإسلامى تجربة روحية عميقة لايكفى فيها المطالعة والمدارسة للحكم عليها، بل يجب أن يعيشها المرء بروحه وقلبه، ومن ثم يشرع فى الحكم عليها .. ورحم الله من قال:

                                     علم التصوف علم ليس يعرفه ... إلا أخو فطنة بالحق معروف
                                     وكيف يعرفه من ليس يشهده ... وكيف يشهد ضوء الشمس مكفوف

فللطريق وسلوكه آداب يجب أن يتحلى بها المريد، ومراحل يجب أن يمر عليها، وذلك كله لايعرفه إلا من شيخه تارة، ومن مدارساته مع شيخه وأقرانه كتب وأحوال السادة الصوفية السابقين تارة أخرى، فمن اعتقد أن التصوف عقيدة كان اعتقاده فاسدا، ومن اعتقد أنه دين جديد كان اعتقاده هذا فاسدا أيضا، فالتصوف علم لايحصل إلا بالذوق، التصوف هو علم الذوق، ورحم الله مولانا ابن عربى حينما قال: "إذا طالبك أحد بالبرهان على علوم الأسرار الإلهية، فقل: ما الدليل على حلاوة العسل؟، سيقول: هذا علم لايحصل إلا بالذوق، فقل: هذا مثل ذاك."

أما من كانت بعيدة روحه عن تلك التجربة الروحية العميقة، وبعيد قلبه عن أحوال القوم ومواجيدهم، فلايقرب حانتهم ولايتعرض لشرابهم، لأنه لامحالة سينكر عليهم ويصدر أحكاما مجحفة فى حق قوم لاعيب فيهم سوى فرط المحبة لله ورسوله وآل بيه وصحابته الكرام ومن تبع نهجهم إلى يوم الدين.

وللأسف فى الآونة الأخيرة كثر من يتعرض لكلام السادة الصوفية عن غير فهم وغير علم، وبعيدا عن الموضوعية لاغرض له سوى الهجوم فقط وذم القوم لاغير، فنجد أنه يتعرض للقوم من لا يعيش مواجيدهم ومن لم يذق ماذاقوا فأنكر وأعرض ولام ولم ينصف

لن أقف اليوم موقف المدافع عن قضية التصوف فلست أهلا لذلك، بل التصوف وأحوال القوم وساداتهم له رب يزود عنه ويحميه، ولكنى أحببت أن أعرض لدراسة موضوعية بنيتها على منهجية علمية وضوابط نقدية لقصيدة من عيون الشعر العربى الصوفى ألا وهى "زدنى بفرط الحب فيك تحيرا" لسلطان العاشقين عمر بن الفارض

وقبل الخوض فى الدراسة أود أن أعرض للمنهجية العلمية التى ستسير عليها الدراسة أولا

خطوات منهجية:

• القراءة السياقية ( المعرفة والفهم ) وهذه بدورها تنقسم إلى مستويين:

-المستوى المعرفي: الإطار الخارجي والفني للنص ( حول الشاعر – المرحلة التاريخية الشعرية التي ينتمي إليها النص – نوع النص – موضوع النص ).
- مستوى الفهم: قراءة في عنوان النص – تحديد الوحدات الدلالية للنص – وضع الفرضيات الممكنة حول النص من خلال مؤشرات يوفرها النص أو من خلال مؤشرات معرفية يمتلكها القارئ.

• القراءة الاستنطاقية ( التحليل ):

- الجانب الصوتي: المستوى الخارجي : الوزن , المستوى الداخلي : الإيقاع
- الجانب المعجمي: رصد الحقول الدلالية الواردة في النص مع ضبط طبيعة العلاقة بينها وتحديد الحقل المهيمن
- الجانب التركيبي: تتبع المستوى الجملي للنص وتحديد العنصر المهيمن ( الجانب الاسمي أو الفعلي ) رصد الأفعال الموجودة في النص مع تعيين الصيغة المهيمنة – مدى التنويع في أساليب وضمائر الخطاب – تحديد بعض الخروقات اللغوية إن وجدت ( كالتقديم والتأخير والحذف ) .
- الجانب الدلالي: ضبط طبيعة العلاقة بين الوحدات الدلالية الواردة في النص, و تتبع الصور
الفنية والجمالية التي وظفها الشاعر وإبراز قيمتها من حيث التنوع والمرجعية والوظيفة .

• القراءة التأويلية ( التركيب والتقويم ):

- التركيب: إعادة إنتاج النص وفق رؤية يقترحها القارئ تراعي العناصر والنتائج التي توصل إليها
في التحليل.
- التقويم: الـتأكد من مصداقية الفرضيات التي طرحت في مرحلة الفهم .وتقديم وجهة نظر خاصة
حول النص .