لماذا الشر فى العالم؟!

 

 

كثيرًا ما يطرأ هذا التساؤل على أذهاننا ولاسيما حين يحتدم الصراع فى العالم من حولنا؛ ذلك الصـــــــراع الذى يظهر لنا فى "تنازع البقاء فى مملكة الحياة" حيث ترتفع أمام أذهاننا صورة "الطبيعة الحمراء بيـــــــــن الناب والمخـلب" تلك الصورة الـتى تروع أذهانـنا وتجعـلنا ننظر إلى الحياة بنظرة متشائمة حاكمين عليـــــــــها بأحكام مجحفة منساقين شعوريًا أولا شعوريًا خلف هؤلاء الذين يعتبرون الوجود شرًا، ولو أنـنا أمعنا النظـــــر فى الشر وفى حقيقة وجوده فى الحياة لقـلنا لهم بأن تشاؤمهم "وهم"، فلوكان الوجود شرًا لما انتظر فيلسوفــــــًا ليبرهن له على ذلك، فالوجود نفسه يثبت لنا فى كل يوم أنه لايمكن أن يكون شرًا؛ فهاهى الحياة متفائـلـــــــــة وتسعى بنا إلى الأمام .

فإننا حيـن ننظر إلى العلاقة التى تجمع بين الخير وا لـشـر ندرك حقيقـة وجود الشر، فإن تلك العلاقة أعمــــق كثيرًا من مجرد ذلك التضاد الظاهر بينهما، فمثلاً إذا نظرنا إلى عصابة اللصوص نجدها تسرق كل العالـــــم ولا تسرق بعضها الـبعض؛ إذن فهى تعتمد على "أساس أخلاقى" لكى تحتـفظ بكيانها كعصابة فى حيـــــــــــــن أن هدفها "غير أخلاقى" ومن هنا ندرك أنه لكى ينجح غرض "غير أخلاقى" يجب أن يكون له "أساس مـــــــــن الأخلاق"، ومثل هذه النظرة تـلقى لنا بأضوائها على مناطق أخرى فـتجعلنا ننـظر إلى ا لشر على أنه جــزء من الحياة، فهو لا يقوم من تلقاء نفسه بـل نجده يعتمد على أ شياء أخرى غيره ليصبح فى النهاية " الشر" الذى نـراه فى العالم من حولنا، إذن فهو ليس الحقيقة ا لتامة والأخيرة فى حياتـنا فالعالم ليس كله شر بـل هـو أحـد جـوا نب ا لحياة. إذن فلماذا الشر أصلاً ؟! دعونا نتأمل كلمات شاعر الهند وحكيمها "طاغور" والتى سنجـد بيــــــــــن طياتها الإجابة على سؤا لنا. فهو يقول: " إن ا لنهـر له شطآنه وحدوده ولكن هـل النهر كله شطآن ؟! ، أ ليسـت هـذه العـوائـق نفسها هى الـتى تـدفع حـركة ماءه إلى الـتقـدم ؟! ، فكذلك إن لمجرى العـالم حـدوده – وبغير ذلــك لايكون ثمة وجود – ولكن غايـتـه لاتظهر في الـقيـود الـتى تحـد منه بـل فى حركته نحـو الكمال ". إذن فالشـــر ليس غاية بـل هـو وسيلة، إنه وسيلة لاكتمال دورة الحياة والـتاريخ، وسيلة لجعـل الحياة مفعمـة بالحيـوية ا لـتى تجعلها تسير بحثـًا لإيجاد حلولاً لمشاكلها .

ويكمل "طاغور" كلامه قـائلاً: "لـيس عجيبـًا أن فى العـالم قـيودًا وآلامـًا بـل العجـيب أن فـيه قـانونــــــــــًا ونـظامـًا"، فإننا فعلاً نجـد الفـرح والجمال فى مقابـل الحزن والقبح، ونجد الخير والحب فى مقابـل الشـــــــــر والكره، فليس عجـيبـًا أن نرى تـلك المتـناقضـات فى حياتـنا بـل العجيب هـو ذلـك القـانون الإلـهى الـذى ينسقهـا مع بعضها البعـض ويجعلها تسير بالحياة إلى الأمام، وقديمـًا قال "العرب": "بالضد يظهر حسن الأشياء" فما عرفنا الخيـر إلا عندما رأينا الشر، ولولا المر ما عرفنا الحلو، وما عرفناالحق إلا من خلا ل الباطـل.
 

ولولا الشر ماكتب ا لـتاريخ فالتاريخ هو ذلـك الصراع بيـن الخير والشر على مسرح الحياة فعـلينا ألا ننظــر إلى الشر على أنه كل الحياة بـل علينا أن ننظر إلى الشر على أنه جزء منها له دوره الذى يلعبه فيها، ولو تأملنــا الشر على هـذا الأسـاس لوجـدنا أنه لـيست لـه سـمة الـدوام فهـو عابر لـيس الثبات من جوهـره لأنه لايستطيع أن يتسق مع الحياة لأن كلية الأشياء تصححه، أما عندما يلوح لنا كوحش مارد فهـذا لأننا نخلع عليه صفة الثبات مع أننا لو نظرنا إلى الحياة كـكل لوجدناه فيها متحرك فبالرغم من كميته الهائلة والتى تسود العـالم إلا أنه لا يستطيـع أن يعـوق مجرى الحياة فإننا لا نزال نجـد الطبيعـة فى تجاوبها الذى يسير بها من السلبى إلى الإيجابى من الشــر إلى الخيـر فإننا لانزا ل نجد فى حياتـنا ا لـحـب للأطفال وللرفاق والـتضحية من أجـل ذلك الحب وهـذا الحــــــب هـو العـنصر الإيجابى فى ا لحياة.

فإننا مثلاً لـو تأملنا المـوت والـذى هـو حـقيقة مـن حـقائق الـوجـود لبدا لنا العـالم مقبرة هائلة ولكـن فكـــــــرة المـوت كـما نجـدها فى عالم الحياة لـيس لها أهمية كـبيرة فى أذهاننا لا لأنه نادر الـوقـوع ولكـن لأن المـوت هـو المظهر السلبى للحياة فالحياة كـكل لاتهتم بالموت كثيرًا فهى تضحك وترقص وتلعـب إنها تجمع وتبنى وتحـــــب فى وجه الموت ولكننا حين ننظر إلى حادثة موت فردية فـإننا لانرى إلا ظلامها فنفـزع لأنـنا فى تـلك اللحظـــــة لاننظر إلى كلية ا لحياة ا لـتى لـيس المـوت إلا جـزءًا منها وأنه ليس الحـقيقة ا لـتامة فى حياتـنا كذلك الشر فهـــو يلوح أسود كما تلوح ا لـسماء زرقاء ولكنه لايلقى بسواده على الوجود كما أن السماء لاتترك شائبة منها علــــــى أجنحة الطيـر.
 

فعلينا أن ندرك أن الشـر لايستطيع أن يقبض على ا لـحياة ويسلبهـا أملاكـها لأنه إلى زوال بـل إنه يتحــــــول أحيانـًا إلى الخيـر فهـو لـن يثبـت فى معـركـته مع الحياة فـلو أن أقـل شرًا اسـتطاع أن يثبـت فى مكـان لاجتـــــث الوجـود من جـذوره. 

ليست هناك تعليقات

يتم التشغيل بواسطة Blogger.